The Girl From Egypt

رحلة عَمل ، الجزء الأول : كارلوس و كاظم و كوهين

Business_Trip_Article

فات كام شهر بعد ما نقلت نيويورك و ابتديت احس بالزهق. اصلي كنت بشتغل في مصر و حياتي مليانة بالاصحاب و الناشطات و على طول مشغولة.

هِنا، جوزي في الشغل معظم اليوم فابقضي الوقت لوحدي. باروح المتاحف، باروح الجيم، بتمشى اتفرج علي المحلات او.. بقعُد في البيت.

حاولت اقدم على شغل في مجالي (الGraphic Design) لكن محدِش عَبرني..خااالص!

انا مش متعودة على القاعدة دي. زهقااااانة. حاسة إني ماليش لازمة. فجأة بعد حياة صاخبة مليانة بنشاطات كتيرة، بئيت قاعدة لوحدي في البيت و حتى لو خرجت، فبخرج لوحدي.

بستنى جوزي لما يجي من الشغل عشان اتكلم معاه بس هوا بيبئا تعبان و مش قادر يرغي (زي كل الرجالة) و إحنا(الستات) طبعاً مانتوصاش 

و في الويك إند بنخرج مع شوية اصحاب. بس يوميين في الإسبوع مِش كفاية. اعمِل إيه لوحدي بئيت الإسبوع؟  

“طب ما تنزلي تدوري على شغل بنفسك؟ شوفي المحلات”

“المحلااات؟!”

“ايوا..لحد ما تلاقي شغل في مجالِك”

 

جوزي إتربى بره معظم حياته فده عادي بالنسية له بس الفكرة كانت غريبة عليا.

في مصر، إحنا بنتربى على إن الشغل في المحلات ليه ناسه. انا واحدة متربية في مدارس أجنبية و خريجة جامعة و كنت بشتغل في شركة كبيرة في مصر، اروح اشتغل في محل؟!!!

دانا كان ليا مكتبي و روسوماتي و رايحة و جاية من إجتماعات..

 

تفكير مصري عجيب!

بس ماكنش قدامي غير حَلّين: اقعد زهقانة في البيت (لحد ما طَق) او انزل ادور علي شغل بنفسي في اي حِتة.

يبقى انزل ادور علي شغل. اهي تجربة!

لقيت إعلان طالبيين فيه بياعيين في محل لِبس كبير. لبست تايير (Tailleur-Skirt Suit) و خَدت بعضي و رُحت مكان التقديم.

طابور طوييييل لافف حوالين الشارع.

طب ماهي الناس بتوقف طوابير اهِه على الوظايف زي مصر. يعني مصر مافرقتش كتير عن امريكا!

وفي كل الطابور الطويل ده، محدش لابس Formal غيري!

طبعاً! متوقعة إيه؟ محل عامل إعلان، الناس اللي متقدمة حاتلبس إيه يعني؟ بِدل؟!! اما انا عبيطة بشكل

ماهو اصل كُل اللي حواليّه لابسين جينزات مدلدلة عليهم و تشيرتات Baseball و فيهم شعورهم ماسرحوهاش من إسبوع..بجددد شكلهم منكوش!

خَلصت الInterview في المحل ده و قررت اتمشي و اخُش المحلات المعروفة و اسأل علي Application عشان اقدِم على شغل عندهم.

قلعت الجاكيت بتاع التايير عشان ميبئاش شكلي Formal اوي او مُختلف اوي بس طبعاً مافيش فايدة، بررردو شكلي Formal

إني اجمع شجاعتي و أخُش محل اسأل على شغل ماكنش سهل عليا. اسهلي بكتير إني اعمل Interview في شركة عن إني ادخل اسأل على شغل!! بس كُل مافتكِر إني زهقانة و حاتجنن من القعدة لوحدي،اتشجع و اخُش اسأل على شغل في محل تاني

لحَد ما دخلت محَل كبير و معروف بيبيع كل ما هو له علاقة بالبيت Bed Bath and Beyond

سألت الراجل بتاع الأمن الSecurity على التقديم فشاورلي على المديرة بتاعت التعيين (الHR). الست بصتلي اوي و إدتني Application عشان املاها.

و يومين و جالي تليفون منها و رُحت قابلتها. و بعد شوية قالتلي اني اتقبلت..

اخيراااااً حاشتغغغغغل

وقررِت تخليني اشتغل في فرع المحل اللي في الUpper East Side  في Manhattan و دي منطقة غالية. و حطتني في قسم مختص بالعرايس Bridal Department

واضِح إن التايير Tailleur عَمل شغل 

و بدأت اشغل في الBridal Department

ماكنتِش عارفة اتوقع إيه، بس كُنت فرحانة إني بخرج من البيت و باقابل ناس. ناس اتكلم معاهم.

 

الBridal Department قسم معمول للمخطوبين اللي عايزين يجهزوا بيوتهم، فابيجوا عندنا يختاروا اللي هما عايزينوا في بيتهم من أطقم صيني ، مكانس، حِلل، ملايات..اي حاجة في البيت و يحطوها في Registry (او List) و اصحابهم و عائلتهم تستخدم ال Registry دي عشان تشتريلهم هدايا منها.

دوري انا بئا إني اشرحلهم الفروق ما بين الماركات المُختلفة و اساعدهم يختاروا الحاجة اللي تناسب الميزانية بتاعتهم.

طبعاً انا في البلاااااالة، معنديش فِكرة عن تَلت تربع الماركات اللي في المحل. كُلها بالنسبة لي حلل و كوبيات شبه بعضها.

بس المَحل طلِع بيدرب اي حد بيشتغل فيه جديد عشان يعرف يتصرف و يساعد العملاء.

 خِدمة العملاء:

ست ظريفة جت تدربني انا و كام حد متعين جديد على التعامُل مع العملاء.

“لازم لما تشوفه اي عميل معدي، تقولوا Hi  و تعرضوا عليه المُساعدة”.

سهلة دي..

و هيا بتتمشى معانا في المَحل بتشرحلنا حاجات، كُل ماتشوف عميل تقوله Hi و توبسلنا عشان نقول Hi

تخيل نفسَك واقف بتشتري حاجات و فجأة خَمس بني آدمين بيقولولَك Hi

“Hi”

“Hi”

“Hi”

“Hi”

“Hi”

حاتحِس إننا مجانين!!!

بس السِت، بتاعِت خدمة العملاء مُصممة إن كُل واحد فينا لازم يقول بنفسه Hi. انا فاهمه إنها بتدربنا على الترحيب بالعملاء!!! بس إرحمي البني آدم اللي بيشتري..زهقناه في عيشته.

يوميين تعذيب من ال Hi مع الست دي و أخيراً ربنا رحمني منها. كِرهت كلمة Hi و غالباً كَرهت نص الزباين اللي جُم المحل في اليوميين دول في نفسهم و فينا و في كلمة Hi

 

و بدأت الشغل الحقيقي في قسم العرايس و العرسان

لكن التدريب (و المذاكرة) على الأنواع و الماركات اللي في المَحل و إستخدامتهم كان مستمر كُل يوم و كُل كا خَلص حاجة منهم، امتحن فيها عَملي.

اكني بَحضر ماجيستير  في الأدوات المنزلية!

 اهي حاجة تنفعني في بيتي بردو 

سألت ست كبيرة بقالها سنين شغالة هناك عن أحسن الطرق اللي امشي فيها لمحطة المترو (Subway) في الأيام اللي بروّح فيها بالليل

“ممكن تِمشي في شارع ٦١ او شارع ٥٩ بس بلاش شارع ٦٠ بالليل، اصل فيه Gentlemen’s Club”

إستغربت كلام السِت اوي !!! و روّحت قولت لجوزي..

“هيا ليه مِش عايزاني امشي في الشارع ده؟ دا حتي اكيد هيبئا امان لإن فيه Club لرجال الأعمال اللي غالباً بيروحوه عشان يقابلوا رجال أعمال زيهُم و يعملوا الmeetings بتاعتهم هناك..و عشان كِده سموه Gentlemen’s Club!” 

“حبيبتي..Gentlemen’s Club يعني Strip Club..إجتماعات من نوع تاني”

إيه ده..هوا انا ضايعة للدرجة دي؟!  وانا اللي فاكرة نفسي الشطورة اللي بفهَم حاجات كتير 

 

كُنت بشتغل مع ناس من مُختلف الثقافات؛ اللي من جاميكا Jamaica ، اللي من الدومينيك Dominican Republic، اللي من بورتو ريكو Puerto Rico وغيرهم. و كتير من نيويورك نفسها.

 كلهُم ناس بسيطة و بشتغل عشان تدفع مصاريف الجامعة او تساعد في البيت او تصرِف علي نفسها. ناس مكافحة. قصصهم عجيبة. كانوا لما يسألوني..

“إنتي منين؟”

“مصر”

وشوش بلا تعبير!!

” عارف إيه مصر؟”

“ايوا ايوا..ااااالفراعنة؟”

كويس خطوة اهِه، “طب إنت عارف فين مصر؟”

“لأ”

“في شمال افريقا..”

نظرة شَك من الشخص  “عااارف فييين افريقا؟ا”

……..

و بيقولوا علينا جهلة في مصر..إتفضلوا، في حَد مايعرفش مصر؟… إلا لو عايش في قوقعة!

طب في حَد مايعرفش فين أفريفيا؟

واضح إنه فيه!!

بس المجموعة اللي كنت بشتغل معاها كانت مُختلفة. و خصوصاً كارلوس !

كارلوس من ال Dominican Republic. بقالوا سنين بيشتغل في المَحل و عنده خِبرة كبيرة في المبيعات و المنتجات.

كنت كتير بتسئل أسئلة من عملاء و معرفش ردها، و احاول اسأل حد من اللي بشتغلوا هناك بس كله كان بيختفي في لحظة!! اخرهم يرتبوا الأرفف.

بس كارلوس كان بيطلع من تحت الأرض ينقذني و بعد ما يمشي العميل يشرحلي عشان المرة اللي جاية اعرف ارد.

كان دايماً مبتسم. و رغم إختلافه عني في كُل حاجة، في الشكل، في الدين، في الثقافة إلا إنه عُمره ما عاملني مُختلف. روحه صافية و خدوم.

 

في مرة سمعوني بقول لحد “مرسي Merci” و كرواسون Croissant” قالَك بس…شهيرة بتتكلم فرنساوي.

“لأ، على فكرة انا مابتكلمش فرنساوي اوي كده..”

لا حياة لمن تنادي. احاول افهمهم اني بطَبِش بالفرنساوي و إن Merci كلمة دارجة في مصر..مافيش فايدة.

و كُل مايجي حَد بيتكلم فرنساوي “نادوا شهيرة”!!!!

سنين شهيرة علي اليوم اللي قلت فيه Merci 

 

و هنا كان بيظهر كاظم

كاظم دا كان مدير كبير في المَحل. من الجزائر، و طبعاً بيتكلم فرنساوي..بجد 

كان وشه على طول مُتجمِد و بلا تعبير واضح، إنه راجل شديد. بس حاسيت إنه فِرح لما عِرف إني مصرية. ماكنش في حَد في المحل من الدول العربية غيري انا و هوا.

 

جِه رمضان و انا بشتغل هناك. ماقُلتش لِحد إني صايمة..معلومة مِش مهمة! بس كان يوم طويل و مُرهق، بتحرك فيه طول الوقت و نادرً ما بقعد و طول الوقت بتكلم مع العملاء. و كنت ساعات ممكن افطر بعد الأدان بساعة او اتنين لإني ببساطة ماقدرش آكل في اي وقت و انا بشتغل

بس كاظم بما إنه المدير الكبير، كان بيناديني لأوضة الإجتماعات و يقولي ” كُولي”  و كمان يديني عيش من اللي مراته خبزاه بنفسها قي بيتهم!!

في الفترة دي، كان فيه مشاكل ما بين المصريين و الجزائريين بسبب تصفيات كاس العالم لكرة القدم. مصر كِسبت الجزائر في اول ماتش و كاظم كان مفروس 

انا فاكرة اليوم ده و هوا داخل الصبح في وشي و انا مبتسمة ابتسامة ماكرة عشان مصر كسبتهم. بَصلي و قالي:

“لو كسبتم الماتش اللي جاي.. حارفدِك”

طبعاً بيهزر، بس هما اللي كسبوا كده كده.

كان راجل طيب و بيحبني و حريص إنه يساعدني. إستغربت

“إنت ليه كويس معايا؟ طول عُمري اعرف إن الجزائريين مابيحبوش المصريين”

“مين قال كده؟!”

فعلاً الواحِد عمره ما يحكُم بالعموم..لإن كاظم ماشوفتِش منه إلا الخير!

اما الناس اللي كانت بتيجي المحل كانت من كل الانواع و الاشكال. ناس رخمة، ناس رغاية، ناس بيحبوا يعرفوا عن الواحد و حياته كُل حاجة و ناس حاسة بنفسها.

 

جالي مرة واحد يهودي من اليهود الأرثودوكس اللي بيلبسوا قميص ابيض و بدلة و برنيطة سودة. كان بيدور على كوبيات.

لاقيته واقف قدام مجموعة من الكوبيات الغالية جداً و حاسيته مِش مُقتنع.

“في مجموعة تانية شَبهم و ارخص بكتير..تحب تشوفهُم؟”

الراجل هز دماغه بالموافقة و جِه معايا.

و هوا واقف في هدوء بيتفرج، لمح إسمي على ال Name Tag و قالي بهدوء شديد..

“إسمِك شهيرة؟.. إنتي منين؟”

“مصر”

سِكت لحظة و قال..

“انا كنت هناك قبل كِده”

“بِجددد..إمتى؟”

و هوا مديني ضهره قال حاجة بصوت واطي مسمعتهاش..

“معلش ماسمعتِش..إمتى؟!!”

لف و قالي..

“من خَمس تلاف سنة”

الرد صدمني  بس في لحظة لقيت نفسي باقول..

“غرييييبة..انا كنت فاكراكم مشيتُم في ٥٦!”

الراجل بصيلي و الصَدمة على وشه و خَد الكوبايات و مِشي

 

أعملُه إيه..هوا اللي ابتدى!!

 

نيويورك مليانة يهود من كُل الطوائف و كتير منهم لما بيعرفوا إني من مصر بيهروني رغي و كتير منهم  بيبقوا ظراف معايا.

مِش معني إن كوهين (الراجل اليهودي..انا سميته كوهينكان عنده مشاكل نفسية، إن بقيتهم زيه. بس بردو الحرص واجب!

 

إتعرضت لمواقف كتير و إتعلمت كتير من شغلي في المحل و رغم إن عُمري ما تخيلت إن ممكن اشتغل في محَل لكن كانت من احلى الشغلانات اللي إشتغلتها هنا.

الناس اللي بشتعل معظمها كانت ظريف معايا، كان بيقعدوا يعلموني كلام عُمري ما سمعتوا في حياتي..

إتعلمت إن حتى التفاح ليه ماكنة بتقشره و إن السلطة ليها طبق مخصوص تحطي السلطة فيه و هيا تِقلّبه!! على اساس إن ايديك ممكن توجعِك لو قلبتي السلطة لوَحدِك ، لكن… تقطيع السلطة نفسها مِش هوا اللي حايوجعلِك إيديك

و إتعلمت إن الشغل و لو حتى في محل فهوا حاجة مفيدة. نسيبنا بئا من القوالِب اللي إحنا عايشين فيها. مَحدش قال إشتغل بياع طول عُمرك (ولاوَِنك ممكن توصل إنك تبقى مدير المحل في يوم من الأيام) بس روح إشتغل و إكسب شوية فلوس بدل الفراغ اللي انت عايش فيه و إنت قاعد مستنى الفرصة العظيمة لحد ما تيجي.

 

في بلادنا بنتكسِف نشتغل اي حاجة و بنتأمر لكن في الغربة بنضطر..ليه؟

كارلوس و كاظم و كوهين، شخصيات ماكنتِش حاقبلها لو ماكنتِش إشتغَلت في المحل

كارلوس و كاظم و كوهين، شخصيات لن انساها …ابداً!

Exit mobile version