The Girl From Egypt

الحلم الأمريكي

American_Dream_Cover_Picture_2

لما وصِلت نيويورك كانت بداية الشتا. الشمس لو طلعت..ده لوطلعت..بتبئا مُجرد لون.

الناس كُلها مِتكلفتة و التلج مغطي أجزاء من الشوارع. و بما إنها مدينة جديدة عليا  فاحسن طريقة الواحد يكتشف بيها مكان، إنه ينزل يتمشي فيه. إشتريت بوت Boot للتلج و خادتني الهمة و إنطلقت.

كنت باصحي بدري مع جوزي وبعد ما ينزل شُغله، انزل انا بعديه بشوية اتمشى في المنطقة اللي ساكنة فيها اكتشفها.

لكن الهوا الساقع جدااااً كان بيخبطني في وشي (الحاجة الوحيدة اللي ظَهره فيا!) و ارجع البيت مدروخة و عندي صُداع. كام مره و حرمت انزل اتمشى تاني. و بقيت اكتفي إني اقف ابُص من الشباك 

الجو كان برد عليا اوي  لدرجة إن  جسمي مافهمش الصدمة اللي حصلتله بعد السنين الطويلة في شمس مصر الدافية (او الحارقة احياناً) فقرر… يقّشَر!

منظري ايه انا بقي و انا، زي ما بيقولوا في مصر، عروسة جديدة و ابقى مقشرة قدام جوزي.. او ممكن تتشاف على اني مقشفة 

هريت نفسي كريمات بس ابداً..وشي و جسمي معترضين على درجات الحرارة اللي تحت الصفر و مِش قادرين يتعاملوا معاها.

بس جوزي عمره ما عَلق..معرفش بئا ماكنِش فارق معاه ولا صعبانه عليه لإن كُل ما ننزل من البيت في البرد القارس ده، كان بيشوفني و انا بتعذب من البرد.

غالباً كنت صعبانة عليه (حاعرف بعد ما يقرا المقالة دي) 

 

و بما إني طول عُمري رياضية، فأول حاجة عملتها بعد ما وصلت بشوية، إني إشتركت في جبم Gym جنب البيت رغم إني متعودة اتريض في الهواء الطلق، في ال Track مثلاً، مِش في اماكن مُغلقة لكن بما إن الدنيا برد هنا فالجيم كان الحل الأمثل.

ابتديت اروح الجيم Gym، و كتير كنت بحضر Classes فيه. اهو اشوف ناس و ماحسِش إني لوحدي..لكن..مع مرور الوقت، ماتعرفتش على حَد هناك خالص. أخري بتوع الReception  كنا بنقول لبعض “صباح الخير او مساء الخير” و خلاص.

الناس بتروح الجيم و كُل واحد في حالُه، بيتدرب و يمشي على طول. لا حد يقف يدردش مع حد و لا حد فاضي لحد.

و رغم إني كنت بشوف نفس الوجوه في الClasses  اللي بحضرها إلا إن عُمر ما حد إتكلِم معايا او عَبر إنه عايز يتكلم (و انا كُنت حاساعِد يعني و اكمل الجملة).

خمس شهور في الجيم..خمسسسسس شهور و انا باروح الجيم Gym و عُمر ما حد كلمني ولا انا إتكلمت مع حَد..الجيم الصامت!

لكن في يوم ، و انا في اوضة التغيير، سمعت صوت بيكلمني!!! إيه؟؟ في حَد بيكلمني؟! رفعت راسي ابوس, لقيت واحده واقفه قدامي و بصالي. دي حقيقة!! يمكن اكون  قاعدة على حاجة بتاعتها و انا مش واخدة بالي فاضطرت تكلمني عشان اوسع ولا حاجة؟

“هاي Hi”

هاااااي؟؟!!! بتقولي هاي..تكونششش “لا مؤاخذة” عشان كده بتكلمني؟!

انا متلخبطة..

بحذر لكن بظرف و بطء، رديت “هاي!”

“برافو إنك بتدربي و انتي ركبتك كده”

بلبس ركبة و انا بتدرب (إصابة ملاعب من زمان)

حوار قصير دار ما بيني و بينها و البنت كانت ظريفة و حبوبة و انا..مش مصدقة إني بتكلم مع حد. ما بين كل جملة و جملة كان نفسي اقولها “تحبي تبقي صاحبتي؟!!!” زي ما كنا بنعمل و إحنا صُغيريين بالظبط.

ايوا، انا كنت وحيدة لهذه الدرجة، لدرجة إني ممكن اتكلم او اصاحب اي بغبغان معدي.

إنتهي الحديث الظريف على “اشوفك تاني في الجيم”

“طبعاً”

خمس شهور في الجيم  لحد ما حد كلمني. ايه يا ربي مدينة العذاب دي؟ تحس بيتسابقوا مين يُقعد اكتر واحد ساكت مابيتكلمش اطول وقت ممكن!!

رجعت البيت فرحانة بقول لجوزي

“تخيل..في واحده كلمتني النهاردة و كمان كانت ظريفة”

“طب ماخدتيش نمرة تليفونها ليه؟ اهو تروحوا مع بعض الجيم Gym”

” لااا..خُفت ابان مُتطفلة..لما اشوفها المرة اللي جاية”

ولا عمري شوفتها تاني ابداً. النوعيات المُنقرضة دي مابتظهرش كتير 

 

حتى العُمارة اللي ساكنة فيها كنت مسمياها ‘The Ghost Building’. كنت بحِس إني ساكنة فيها لوحدي. نادراً ما كنت بشوف اي جيران فيها و لو شوفت حد، اخرنا بنهِز دماغنا لبعض و كده نبئا سَلمنا على بعض.

انا مش عايزة اصاحِب حد فيهم ولا فارقة معايا بس ننطق..نقول صباح الخير، مساء الخير..اي حاجة.. يا خرابي..إيه ده؟

الحياة في نيويورك رتمها سريع، سريع جداً. يعني لازم و انت ماشي على الرصيف تمشي بسرعتهم و الا حاتتخبط و اكيد ماينفعش تقف مرة واحدة و انت ماشي و الا اللي وراك حايلبس فيك. كُله بيجري. بيجروا و هما طالعين سلالم الSubway الصبح، بيجروا و هما نازليين من سلالم الSubway و هما مروحيين بعد الضهر.

طب الصبح بيجروا عشان مايتأخروش على الشغل. ليه بيجروا بئا و هما مروحييين؟!!!

و الناس ماتتوصاش و هيا بتجري و بتدخل الSubway، ممكن تاخد كتف قانوني عادي خالص. ممكن تلاقي واحد واقف فوقيك و طلَع كتاب يقراه..خلاص، حَبكِت الثقافة في الزحمة دي؟

كُل واحد هدفه يوصل للمحطة بتاعته بس للأمانة، الناس هنا بتستنى لما الخارج من المترو يخرج و بعدين كُله يندفع لجوه و يجري يلحق مكان يقعد فيه قبل التاني.

 

اول ما وصلت ماكنتش فاهمة ليه الجري دا كله..كان جوزي ينادي عليا و انا وراه بحاول الاحقه. فرق الطول برده بيفرق في الخطوات. المشي بتاعه مَد بالنسبة لي 

 “يالاااا يا شهيييييرةةةةةةة”

و تجري شهيرة عشان تلحق المترو قبل ما الباب يقفل و هيا لابسة الدولاب كُله عشان الصقيع اللي إحنا عايشيين فيه، بتنهج و بتفطس في نفس الوقت. لا Fitness نافع ولا جيم Gym نافع..و ركبتي بتزيأ. اصلي انا مابدربش و انا لابسة خُمسمية حاجة فوق بعض كده و بصارع الشعب عشان اوصل في الوقت المناسب. دي ولا اتوبيسات مصر اللي الناس بتجري وراها عشان تنُط فيها.

لا لا لا لا، دي مِش عيشة..انا اركب مواصلات بس بإحترامي.

“حرام عليك يا مفتري”

“ماهو الSubway بيجي كُل ساعة في الويك إند Weekend”

انا إنضحَك عليا..آل نيويورك آل!

اصل إستخدام العربية في نيويورك صعب. صعب تلاقي ركنة في الشارع، صعب تلاقي ركنة عند بيتك إلا لو مأجر جراج (و ده اللي كتير من الناس بتعمله). و حتى لو عندك عربية فبتختار مشاويرك اللي ممكن تستخدم فيا العربية حسب المكان ده في امل تلاقي ركنة عنده ولا لأ.

في الاخر. معظم الناس (إن لم يكن كُل الناس) بتستخدم المترو و الأتوبيس في كُل تحركاتها.

 

و لما جِه اول عيد ميلاد ليا هناك، جوزي قاليقابليني بعد الشُغل عشان نحتفل”.

لبست حلو جداً..عيد ميلادي بئا و طبعاً مانسِيتش البالطو البطانية و الكوفية و الجونتي و البُرنيطة الصوف..لابسة دولااااب.

نزلت اتمشيت للمترو و ركبت…و نزلت. و إتمشيت شوية تاني لحد ما وصلت لجوزي.

“يلا بينا”

“على فين؟!!”

“حانتمشى شوية للRestaurant”

حاتْمشى تاني؟!! لااااا  دانا لابسة كعب، كعب عالي والله

بما إننا بنمشي كتير كُل يوم و بنركب المترو لكل مكان فجزمي الكعب ما بتطلعش من الجزامة خالص. فُرصة البس واحدة النهاردة..في عيد ميلادي.

سكِت، مارْضتش اقول حاجة..

دا الراجل واخدني يحتفل بيا في عيد ميلادي في البرد ده..كتّر خيره.

و مشينا..مشينا..مشينا..

لحد أخيراً ما وصلنا للRestaurant و اخيراً قعدت..ااااااه ه ه يا رجلي.. بس مانطقتِش..

دا الراجل واخدني يحتفل بيا…كتّر خيره تاني!

عشا جميل و دردشة ظريفة و كله حلو لحد ماقالي “يلا نروّح”.

يعني حامشي تاني؟  طب ممكن اروح اشتري شبشب من اي محل قريب عشان انا فقدت القدرة على المشي؟

و مشينا..مشينا..مشينا..

كنت بعرج في المرحلة دي.

“انا مِش قادرة خلاص..مِش قادرة امشي تاني”

“و لبستي كعب ليه؟ انا قلتلك حانتمشى شوية”

“انتَ قولت حانتمشي شوييية مش حاندخل ماراثون مشي”

لن انسى هذا العيد ميلاد ابداً..و من ساعتها كُل مايقولي حانخرج نحتفل بعيد ميلادك، اقوله فييين؟ المسافة المتوقعة للمشي قد إيه؟ حنركب مترو ولا تاكسي؟

“دي مُفاجأة”

دا بيقولي مُفاجأة!!! ابوس ايديك مِش عايزة مفاجأت، مِش عايزه حاجة..انا كويسة كده..بلاها عيد ميلاد.

فينِك يا عربيتي؟ وحشتيني 

 

لاحظت لما وصلت نيويورك إن المدينة شكلها قديم وإستغربت إن  في كتير من المناطق فيها مش نضيقة خصوصاً الSubway.

شايفة ناس من بلاد كتير، من امريكا اللاتينية، هنود، صينيين، كوريين..من كُل مكان.

الله، اومال فين اللي بيطلعوا في التليفزيون؟ فين الأمريكان؟ 

سافرت بلاد كتير، للفسحة، قبل ما اسافر اعيش في أمريكا. يعني شُفت بلاد تانية. بس فِكرتي عن أمريكا كانت طول عُمرها مقتصرة على الأفلام اللي بتفرج عليها و الصور اللي باشوفها..اقول إيه؟..ساذجة!

فِكرة مثالية،  مُتأثرة للأسف بالأفلام الأمريكاني! العيلة الجميلة اللي فيها أب و أم و تََلت اولاد؛ البنت الكبيرة اللي في ال High School، و الولد التاني في إعدادي و  الصغير في أولى او تانية إبتدائي. و عندهم كلب 

العيلة دي عايشة في بيت جميل، لِيه جنينة  و حوليه خُضرة من كل ناحية. و عندهم عربيتين، واحدة كبيرة  و التانية صغيرة.

الشمس طالعة و الجو جميل و الأولاد بيلعبوا بالعَجّل قدام البيوت و الأكبر منهم بيلعبوا Basketball

اللاااااااااااه..امريكا حلوة اوي

 

نيويورك بئا، فبتظهر على انها المدينة المزدحمة اللي الشمس طالعة فيها كل يوم( بَرده). العمارات فيها شكلها جميل و ناطحات السحاب مُبهرة.

و الناس فيها عايشة في شُقق كبيرة، يعني مثلاً يجيبلك بنت في فيلم زي  27Dresses  عايشة في شقة واسعة في Manhattan.

 بتدفع إيجار شقة زي دي و هيا بشتغل سكيرتيرة او حتى مديرة مكتب و بتخرج مع اصحابها كتير وبتتحرك بالتاكسي على طول و بتجيب فستان مُختلف لكُل فرح بتروحه كُل مرة.


 ده.. خييييال!

 الحقيقة: العيلة الجميلة اللي عايشة في البيت الجميل، الأب (و الأم غالباً) بشتغلوا جامد عشان يقدروا يدفعوا الMortgage بتاع البيت. الأم طلعان روحها في تنضيف البيت و الأكل و الغسيل (زي اي أم) و الأب بيقضي الWeekend في رش الجنينة و تصليح اي حاجة بايظة في البيت عشان النجار او السباك او الكهربائي غاليين جداً.

اما البنت اللي عايشة في Manhattan فغالباً عايشة في Studio او في شقة مع Roommate او اتنين. بتستخدم الSubway في تحركتها و احياناً الأتوبيس و بتخرج مع اصحابها مرة كل اسبوع او اتنين و عندها فستان واحد (يمكن اتنين)و احب اوضح، مِش سواريه حتى، بيبقى فستان كوكتيل،  بتحضر بيهم كل الأفرح اللي بتتعزِم عليهم.

 الناس هنا جامدة، مافيش مشاعِر اوي. طبعاً لو اصحابَك، بيبقوا ظراف لكن طول مانتا غريب في الشارع فكُله بيدور على مصلحته؛ إنه يقعد في المترو قبليك، إنه يلحق التاكسي قبليك، إنه يخبطك و انت ماشي لو جيت في طريقه بالغلط و معظم الوقت ميعتذِرش، دا ممكن يبوصِلَك بصة مؤرفة او يقلَك بما معناه “مِش تفَتحَ؟”

الحياة هنا، في نيويورك، بتفرض علي الناس إنها تكون ناشفة عشان تعرَف تعيش. و بما إن في مُهاجريين كتير، من كُل نوع و شكل، فدا مُبرر ادعي للجفاء اللي الناس بتتعامل بيه. كُله مش فاهِم بعضه و احياناً كتير خايف من بعضه عشان كده بيتعاملوا بجمود..و حذر.

 

و عشان كِده لما بيجيلي تليفونات و Messages من اصحاب من مصر بيسألوني عن امريكا و الحياة فيها و ازاي يقدروا ينقلوا هنا. عمري مابتأخر إني ارد على اي حَد منهم. بالعكس، ببئا فرحانة إني اديهم فكرة عن الحياة هنا و الحلو و الوحش فيها.

بس كمان باكون واضحة وضوح شديد في شرح المصاعب و المساوئ اللي اكيد هايواجهوها هنا، عشان إحنا المصريين من طبعنا متعوديين نقول

“تعالى بس إنتَ و انا حاظبطك” او

“تعالى بس و كُله حيبقى تمام إن شاء الله”

احسن لك تيجي و إنت عارف إنك غالباً حتتبهدل و تتعب احسن ما تيجي فاكر إن كلها كام شهر و الحياة حتبقى وردية.

الحقيقة إن نيويورك مدينة غالية جداً و برد معظم السنة، ايوا بالمقارنة بجونا في مصر، فهيا برد معظم السنة. مدينة زحمة جداً و الناس فيها مِش اظرف حاجة.

فنصيحة، ابتدي حياتك في امريكا في مدينة (او ولاية تانية) إلا لو تعرَف حد هنا و فعلاً حايساعدك او تاخُد المغامرة لوحدك و تستحمل..تستحمل شوية حلويين!

 

في مصر، القاهرة بالتحديد، لو زهقان، بتطلع يومين إسكندرية بالعربية تغيّر جو، او العين السخنة او الساحل او راس سدر او..او.. كذا إختيار قدامَك..ولا مِحتاج طيارة ولا تسوق ١٤ ساعة عشان توصَل لبحر حلو. البحر في مصر دافي و حلو في كُل حتة.

نيويورك، الإختيارات ضعيفة جداً..البلاجات بتفتح شهريين في السنة بس! المحيط ميتُه تللللج في عز الصيف و لازم يكون معاك عربية عشان تعرف تروح بلاج رملته حلوة. في مواصلات طبعاً بس عقبال ما توصل بتكون عايز تستريح عشان تعرف ترجع.

شوفت مصر فيها حاجات حلوة بردو.

الفرق..

تشتغل و تتعب و يطلع روحَك هنا لكن بعد سنين ممكن تجيب البيت و العربية..و الكلب كمان

 هنا في امل، يمكن مِش امل كبير زي امريكا بتاعت زمان (الخمسينات و الستينيات) بس بردو ممكن تحقق حاجة و لو صغيرة.

 

أمريكا..حلم ناس كتير يعيشوا فيها.

إحلم، بس إعرف إن مِش كُل حد قد الحلم ده  و إنك حتتمرمط عشان تحققه او تحقق جزء منه.

المهم.. ماتنساش بلدَك و الأهم.. إنك متتأمركش على ولاد بلدك 

Exit mobile version